جلاء القلوب بالذكر والاستغفار

يا لجمال الأنامل حين تتشابك بخشوع في عقد الذكر، كأنها خيوط من ضياءٍ تنسج بين الأرض والسماء جسرًا من نور، يمرّ عبره الدعاء خفيفًا كنسمة الفجر، صافياً كندى الصباح.
كل إصبعٍ حين يتحرك في تسبيحٍ أو تهليلٍ، إنما يروي حكاية القلب في حضرة الخالق، ويكتب على صفحة الروح أنشودة الطهر والسكينة.
تتراقص الأنامل في صمتٍ جميل، كأنها ترسم للملائكة لوحةً من الخشوع، أو كأنها تهمس للكون بأن السلام يسكن الذاكرين.
وللقلب صدى، مثل رنين النحاس، لا يهدأ إلا إذا جُليَ بالاستغفار.
فكل قلبٍ إذا غفل علاه الصدأ، تغيم عليه أنفاس الدنيا، وتثقل عليه خطى الحياة، فإذا مسّه الاستغفار، برق وتلألأ كنجمةٍ في ليلٍ بهيم، يصفو، ويتخفف، ويتنفس النور.
الاستغفار ليس كلمةً تُقال، بل هو نغمةٌ خفية تعزفها الروح حين تشتاق إلى الصفاء، هو المطر الذي يغسل غبار الخطايا، وهو البلسم الذي يرمم الشقوق الخفية في جدار النفس.
وحين تمتد اليد في ذكرٍ صادق، ويتجاوب القلب في استغفارٍ نابع، تنفتح أبواب الرحمة، وتتمايل الروح في نشوة النور، كأنها سحابة من ضياءٍ تمطر سكينة على كل ما حولها.
في تلك اللحظة، يتوقف الزمن، ويخفت ضجيج الدنيا، وتغدو الأنامل كأوتارٍ تعزف لحن الخضوع، ويصير القلب مرآةً تعكس جمال الخالق، فيرى الإنسان ذاته من جديد: طاهرًا، مطمئنًا، قريبًا من رحمات الله.
ما أبهى القلب حين يُجلّى بذكر الله، وما أرقّ الأنامل حين تتزين بسبح التسبيح، وما أصدق النور حين ينبع من استغفارٍ صادقٍ يمحو العتمة، ويعيد للحياة نكهتها الأولى، نقيةً، شفافةً، ناعمة كأنها نسمةٌ من الجنة.
فالذكر حياة الأرواح، والاستغفار ضوءها، والأنامل التي تعقد في حضرة الله إنما تُسبّح بالحب، وتُنشد بالسكينة، وترسم في فضاء الوجود معنى الطهر الأبدي، الذي لا يذبل ولا ينطفئ، لأنه من الله... وإليه يعود.